سورة الطلاق - تفسير تفسير ابن الجوزي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الطلاق)


        


{أسكنوهنَّ من حيثُ سكنتم} و{من} صلة قوله: {من وُجدكم} قرأ الجمهور بضم الواو. وقرأ أبو هريرة، وأبو عبد الرحمن، وأبو رزين، وقتادة، ورَوْح عن يعقوب بكسر الواو. وقرأ ابن يعمر، وابن أبي عبلة، وأبو حيوة: بفتح الواو. قال ابن قتيبة: أي: بِقَدْر وُسْعِكم. والوُجد: المقدرة، والغنى، يقال: افتقر فلان بعد وُجْدٍ. قال الفراء: يقول: على ما يجد، فإن كان مُوَسَّعاً عليه، وسَّعَ عليها في المسكن والنَّفَقة، وإن كان مقتَّراً عليه، فعلى قَدْرِ ذلك.
قوله تعالى: {ولا تُضَارُّوهنَّ} بالتضييق عليهنّ في المسكن، والنفقة، وأنتم تجدون سَعَة. قال القاضي أبو يعلى: المراد بهذا: المطلقة الرجعية دون المبتوتة، بدليل قوله تعالى: {لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمراً} [الطلاق: 1] وقولِه: {فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهنَّ بمعروف أو فارقوهن بمعروف} [الطلاق: 2] فدل ذلك على أنه أراد الرجعية.
وقد اختلف الفقهاء في المبتوتة: هل لها سكنى، ونفقة في مدة العدة، أم لا؟ فالمشهور عند أصحابنا: أنه لا سكنى لها ولا نفقة، وهو قول ابن أبي ليلى. وقال أبو حنيفة لها السكنى، والنفقة. وقال مالك والشافعي: لها السكنى، دون النفقة. وقد رواه الكوسج عن أحمد. ويدل على الأول حديث فاطمة بنت قيس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها: إنما النفقة للمرأة على زوجها ما كانت له عليها الرجعة، فإذا لم يكن له عليها، فلا نفقة ولا سكنى. ومن حيث المعنى: إِن النفقة إنما تجب لأجل التمكين من الاستمتاع، بدليل أن الناشز لا نفقة لها.
واختلفوا في الحامل، والمتوفَّى عنها زوجها، فقال ابن مسعود، وابن عمر، وأبو العالية، والشعبي، وشريح، وإبراهيم: نفقتها من جميع المال، وبه قال مالك، وابن أبي ليلى، والثوري. وقال ابن عباس، وابن الزبير، والحسن، وسعيد بن المسيب، وعطاء: نفقتها في مال نفسها، وبه قال أبو حنيفة، وأصحابه. وعن أحمد كالقولين.
قوله تعالى: {فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن} يعني: أجرة الرضاع. وفي هذا دلالة على أن الأم إذا رضيت أن ترضعه بأجرة مثله، لم يكن للأب أن يسترضع غيرها {وَأْتمروا بينكم بمعروف} أي: لا تشتطُّ المرأة على الزوج فيما تطلبه من أجرة الرضاع، ولا يقصِّر الزَّوج عن المقدار المستحق {وإِن تعاسرتم} في الأجرة، ولم يتراضَ الوالدان على شيء {فسترضع له أخرى} لفظه لفظ الخبر، ومعناه: الأمر، أي: فليسترضع الوالد غير والدة الصبي.
{لينفق ذو سَعَةٍ من سَعَتِهِ} أمر أهل التَّوسِعَة أن يوسِّعوا على نسائهم المرضعات أولادهن على قدر سَعَتِهم. وقرأ ابن السميفع {لينفق} بفتح القاف {ومن قُدِرَ عليه رِزْقُه} أي: ضُيِّق عليه من المطلّقين. وقرأ أبي بن كعب، وحميد {قُدّر} بضم القاف، وتشديد الدال. وقرأ ابن مسعود، وابن أبي عبلة {قَدّر} بفتح القاف وتشديد الدال {رزقَه} بنصب القاف {فلينفِقْ مما آتاه الله} على قدر ما أعطاه {لا يكلف الله نفساً إلا ما آتاها} أي: على قدر ما أعطاها من المال {سيجعل الله بعد عسر يسراً} أي: بعد ضيق وشدة، غنىً وسَعَةً، وكان الغالب عليهم حينئذ الفقر، فأعلمهم أنه سيفتح عليهم بعد ذلك.


قوله تعالى: {وكأين} أي: وكم {من قرية عتت عن أمر ربها ورسله} أي: عن أمر رسله. والمعنى: عتا أهلها. قال ابن زيد: عتت، أي: كفرت، وتركت أمر ربها، فلم تقبله. وفي باقي الآية قولان:
أحدهما: أن فيها تقديماً، وتأخيراً. والمعنى: عذَّبناها عذاباً نكراً في الدنيا بالجوع، والسيف، والبلايا، وحاسبناها حساباً شديداً في الآخرة، قاله ابن عباس، والفراء في آخرين.
والثاني: أنها على نظمها، والمعنى: حاسبناها بعملها في الدنيا، فجازيناها بالعذاب على مقدار عملها؛ فذلك قوله تعالى: {وعذَّبناها} فجعل المجازاة بالعذاب محاسبة. والحساب الشديد: الذي لا عفو فيه، والنكر: المنكر {فذاقت وبال أمرها} أي: جزاء ذنبها {وكان عاقبة أمرها خسراً} في الدنيا، والآخرة، وقال ابن قتيبة: الخسر: الهلكة.
قوله تعالى: {قد أنزل الله إليكم ذكراً} أي: قرآنا {رسولاً} أي: وبعثه رسولاً، قاله مقاتل. وإِلى نحوه ذهب السدي. وقال ابن السائب: الرسول هاهنا: جبرائيل، فعلى هذا: يكون الذِّكر والرسول جميعاً منزَّلين. وقال ثعلب: الرسول: هو الذِّكر. وقال غيره: معنى الذكر هاهنا: الشرف. وما بعده قد تقدَّم [البقرة: 257، والأحزاب: 43، والتغابن: 9] إِلى قوله تعالى: {قد أحسن الله له رزقاً} يعني: الجنة التي لا ينقطع نعيمها.


قوله: {ومن الأرض مثلهن} أي: وخلق الأرض بعددهن. وجاء في الحديث: كثافة كل سماءٍ مسيرة خمسمائة عام، وما بينها وبين الأخرى كذلك، وكثافة كل أرض خمسمائة عام، وما بينها وبين الأرض الأخرى كذلك. وقد روى أبو الضحى عن ابن عباس قال: في كل أرض آدم مثل آدمكم، ونوح مثل نوحكم، وإبراهيم مثل إبراهيمكم، وعيسى كعيسى، فهذا الحديث تارة يرفع إلى ابن عباس، وتارة يوقف على أبي الضحى، وليس له معنى إلا ما حكى أبو سليمان الدمشقي، قال سمعت أن معناه: إن في كل أرض خلقاً من خلق الله لهم سادة، يقوم كبيرهم ومتقدِّمهم في الخلق مقام آدم فينا، وتقوم ذُرِّيَّتُه في السِّنِّ والقِدَم كمقام نوح. وعلى هذا المثال سائرهم. وقال كعب: ساكن الأرض الثانية: البحر العقيم، وفي الثالثة: حجارة جهنم، والرابعة: كبريت جهنم، والخامسة: حيات جهنم، والسادسة: عقارب جهنم، والسابعة: فيها إبليس.
قوله تعالى: {يتنزَّل الأمر بينهن}، في الأمر قولان:
أحدهما: قضاء الله وقدره، قاله الأكثرون. قال قتادة: في كل أرضٍ من أرضهِ وسماءٍ من سمائه خَلْقٌ من خَلْقِهِ، وأمْرٌ من أمْرِهِ، وقَضَاءٌ من قَضَائِهِ.
والثاني: أنه الوحي، قاله مقاتل.
قوله تعالى: {لتعلموا أن الله على كل شيء قدير وأن الله قد أحاط بكل شيء علماً} أعلمكم بهذا لتعلموا قدرته على كل شيء وعلمه بكل شيء.

1 | 2